قرأ أهل الكوفة ويعقوب لا تَحْسَبَنَّ بالتاء وفتح الباء، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء، وضم الباء. الباقون بالياء وفتح الباء. --التبيان في تفسير القرآن، ج۳، ص۷۵--
حجّت
قال أبو علي من قرأ بالياء، لم يوقع يحسبن على شيء، (والذين) رفع بأنه فاعل (لا تحسبن) قال: ووجه قراءة ابن كثير وأبي عمرو في أن لم يعديا (حسبت) إلى مفعولية ان (يحسب) في قوله: فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ لما جعل بدلا من الأول وعدّي إلى مفعوليه استغنى بها في تعدية الأول إليهما. --التبيان في تفسير القرآن، ج۳، ص۷۵--
قد ذكرنا اختلاف القراءة في تَحْسَبَنَّ وتَحْسَبَنَّهُمْ فيما قبل. --مجمع البيان في تفسير القرآن، ج۲، ص۹۰۵--
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ووَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وولا يحسبن الذين يفرحون كلهن بالياء وكسر السين وكذلك فلا يحسبنهم بضم الباء وبالياء وكسر السين وقرأ حمزة كلها بالتاء وفتح السين وفتح الباء من يحسبنهم وقرأ أهل المدينة والشام ويعقوب كلها بالياء إلا قوله فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بالتاء وفتح الباء إلا إن أهل المدينة ويعقوب كسروا السين وفتحها الشامي وقرأ عاصم والكسائي وخلف كل ما في هذه السورة بالتاء إلا حرفين وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ فإنهما بالياء غير أن عاصما فتح السين وكسرها الكسائي. (انظر: آل عمران، ۱۷۸)
حجّت
قال أبو علي من قرأ لا يحسبن بالياء فلا يحسبنهم فالذين في موضع رفع بأنه فاعل يحسبن ولم يوقع يحسبن على شيء قال أبو الحسن لا يعجبني قراءة من قرأ الأولى بالياء لأنه لم يوقعه على شيء ويرى أنه لم يستحسن أن لا يعدي حسب لأنه قد جرى مجرى اليمين في نحو علم الله لأفعلن ولقد علمت لتأتين منيتي وظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ فكما أن القسم لا يتكلم به حتى يعلق بالمقسم عليه فكذلك ظننت وعلمت في هذا الباب وأيضا فقد جرى في كلامهم لغوا وما جرى لغوا لا يكون في حكم الجمل المفيدة ومن ثم جاء نحوه:
وما خلت أبقي بيننا من مودة/ عراض المذاكي المسنقات القلايصا
وإنما هو وما أبقي بيننا فالوجه في هذه القراءة أنه لم يعد حسبت إلى مفعوليه اللذين يقتضيهما لأن حسبت في قوله «فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ» لما جعل بدلا من الأول وعدي إلى مفعوليه استغني بهما عن تعدية الأول إليهما كما استغني في قوله:
بأي كتاب أو بآية سنة/ ترى حبهم عارا علي وتحسب
بتعدية أحد الفعلين إلى المفعولين عن تعدية الآخر إليهما والفاء زائدة فالتقدير لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا بمفازة من العذاب وأما قراءة فلا تحسبنهم بضم الباء فإن فعل الفاعل الذي هو يحسبن تعدى إلى ضميره وحذفت واو الضمير لدخول النون الثقيلة فإن قيل هلا لم تحذف الواو من تحسبون وأثبتها كما ثبتت في تمود بالثوب أَ تُحاجُّونِّي ونحو ذلك مما يثبت فيه التقاء الساكنين لما في الساكن الأول من زيادة المد التي تقوم مقام الحركة فالقول فيه أنه حذفت كما حذفت مع الخفيفة أ لا ترى أنك لو قلت لا تحسبن زيدا ذاهب لم يلزمك الحذف فأجرى الثقيلة مجرى الخفيفة في هذا وقوله بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ في موضع المفعول الثاني وفيه ذكر للمفعول الأول وفعل الفاعل في هذا الباب يتعدى إلى ضمير نفسه نحو ظننتني أخاك لأن هذه الأفعال لما كانت تدخل على المبتدأ والخبر أشبهت أن وأخواتها في دخولها على المبتدأ والخبر كدخول هذه الأفعال عليهما وذلك قولك ظننتني ذاهبا كما تقول إني ذاهب ومما يدل على ذلك قبح دخول النفس عليها لو قلت أظن نفسي تفعل كذا لم يحسن كما يحسن أظنني فاعلا فأما قراءة نافع وأبي جعفر وابن عامر لا يحسبن بالياء فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بالتاء وفتح الياء فمثل قراءة ابن كثير وأبي عمرو إلا في قوله فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ والمفعولان اللذان يقتضيهما الحسبان في قوله لا يحسبن الذين يفرحون محذوفا لدلالة ما ذكر من بعد عليهما ولا يجوز البدل هنا كما جاز هناك لاختلاف الفعلين باختلاف فاعليهما وأما قراءة حمزة بالتاء فيهما فحذف المفعول الثاني الذي يقتضيه تحسبن لأن ما يجيء من بعد قوله فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ يدل عليه ويجوز أن يجعل تحسبنهم بدلا من تحسبن والفاء زائدة كما في قوله (فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي). --مجمع البيان في تفسير القرآن، ج۲، ص۹۰۵--
وقرئ: لا تحسبن. فلا تحسبنهم، بضم الباء على خطاب المؤمنين. ولا يحسبن. فلا يحسبنهم، بالياء وفتح الباء فيهما، على أنّ الفعل للرسول. وقرأ أبو عمرو بالياء وفتح الباء في الأوّل وضمها في الثاني. --الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ج۱، ص۴۵۱--
حجّت
على أن الفعل للذين يفرحون، والمفعول الأوّل محذوف على: لا يحسبنهم الذين يفرحون بمفازة، بمعنى: لا يحسبن أنفسهم الذين يفرحون فائزين، وفلا يحسبنهم، تأكيد. --الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ج۱، ص۴۵۱--
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: لا يحسبن ولا يحسبنهم بالياء فيهما، ورفع باء يحسبنهم على إسناد يحسبن للذين. --البحر المحيط فى التفسير، ج۳، ص۴۶۶--
وقرأ حمزة، والكسائي، وعاصم: لا تحسبن، وفلا تحسبنهم بتاء الخطاب، وفتح الباء فيهما خطابا للرسول. --البحر المحيط فى التفسير، ج۳، ص۴۶۷--
قرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، بفتح السين حيث وقع.
وقرأ باقي السبعة بكسرها. (انظر: البقره، ۲۷۳)
حجّت
وخرجت هذه القراءة على وجهين: أحدهما ما قاله أبو عليّ: وهو أن لا يحسبن لم يقع على شيء، والذين رفع به. وقد تجيء هذه الأفعال لغوا لا في حكم الجمل المفيدة نحو قوله:
وما خلت أبقي بيننا من مودّة/ عراض المذاكي المشنقات القلائصا
وقال الخليل: العرب تقول: ما رأيته يقول ذلك إلا زيد، وما ظننته يقول ذلك إلا زيد. قال ابن عطية: فتتجه القراءة بكون فلا يحسبنهم بدلا من الأول، وقد تعدّى إلى المفعولين وهما: الضمير وبمفازة، واستغنى بذلك عن المفعولين، كما استغنى في قوله:
بأي كتاب أم بأية سنة/ ترى حبهم عارا عليّ وتحسب
أي: وتحسب حبهم عارا عليّ. والوجه الثاني ما قاله الزمخشري: وهو أن يكون المفعول الأول محذوفا على لا يحسبنهم الذين يفرحون بمفازة، بمعنى: لا يحسبن أنفسهم الذين يفرحون فائزين. وفلا يحسبنهم تأكيد، وتقدّم لنا الرد على الزمخشري في تقديره لا يحسبنهم الذين في قوله: ولا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما وإن هذا التقدير لا يصح فيطلع هناك. وتعدى في هذه القراءة فعل الحسبان إلى ضميريه المتصلين: المرفوع والمنصوب، وهو مما يختص به ظننت وأخواتها، ومن غيرها: وجدت، وفقدت، وعدمت، وذلك مقرّر في علم النحو. --البحر المحيط فى التفسير، ج۳، ص۴۶۶--
وخرجت هذه القراءة على وجهين: أحدهما ذكره ابن عطية، وهو أن المفعول الأول هو: الذين يفرحون. والثاني محذوف لدلالة ما بعده عليه كما قيل آنفا في المفعولين. وحسن تكرار الفعل فلا يحسبنهم لطول الكلام، وهي عادة العرب، وذلك تقريب لذهن المخاطب. والوجه الثاني ذكره الزمخشري، قال: وأحد المفعولين الذين يفرحون، والثاني بمفازة. وقوله: فلا يحسبنهم توكيد تقديره لا يحسبنهم، فلا يحسبنهم فائزين. وقرئ لا تحسبن فلا تحسبنهم بتاء الخطاب وضم الباء فيهما خطابا للمؤمنين. ويجيء الخلاف في المفعول الثاني كالخلاف فيه في قراءة الكوفيين. وقرأ نافع وابن عامر: لا يحسبن بياء الغيبة، وفلا تحسبنهم بتاء الخطاب، وفتح الباء فيهما، وخرجت هذه القراءة على حذف مفعولي يحسبن لدلالة ما بعدهما عليهما. ولا يجوز في هذه القراءة البدل الذي جوّز في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاختلاف الفعلين لاختلاف الفاعل. وإذا كان فلا يحسبنهم توكيدا أو بدلا، فدخول الفاء إنما يتوجه على أن تكون زائدة، إذ لا يصح أن تكون للعطف، ولا أن تكون فاء جواب الجزاء. وأنشدوا على زيادة الفاء قول الشاعر:
حتى تركت العائدات يعدنه/ يقلن فلا تبعد وقلت له: ابعد
وقال آخر:
لما اتقى بيد عظيم جرمها/ فتركت ضاحي: كفه يتذبذب. --البحر المحيط فى التفسير، ج۳، ص۴۶۷--
قرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، بفتح السين حيث وقع، وهو القياس، لأن ماضيه على فعل بكسر العين. وقرأ باقي السبعة بكسرها، وهو مسموع في ألفاظ، منها: عمد يعمد ويعمد وقد ذكرها النحويون، والفتح في السين لغة تميم، والكسر لغة الحجاز. (انظر: البقره، ۲۷۳)